القى رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، اليوم الجمعة 22 أيار (مايو) 2020، خطاباً إلى الشعب سلط فيه الضوء على خطط الحكومة في مواجهة الأزمة الاقتصادية وملفات مهمة أخرى.
وفيما يلي نص الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المواطنون الأحبة:
بدايةً يطيبُ لي أن أتوجه إليكم بخالص التهاني والتبريكات بحلول عيد الفطر المبارك، متمنياً لكم قضاء أمتع الأوقات وأسعدها. وبهذه المناسبة أهيب بالجميع الالتزام بالإجراءات الصحية والوقائية للحفاظ على سلامتكم وسلامة أقربائكم والمجتمع كله.
كما هو معلوم، فإن إقليم كوردستان يواجه أوضاعاً اقتصادية عصيبة نتيجة الآثار السلبية التي خلفها تفشي فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط شأنه في ذلك شأن معظم دول العالم. إن هذا الوضع الاستثنائي خارج إرادة حكومة إقليم كوردستان ورغباتها. ومنذ أن بدأت هذه الأزمة، بذلنا جهوداً مضنية وسنظل على هذه الوتيرة سعياً لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين.
أيها المواطنون الأفاضل:
منذ أن شكلّنا الكابينة الوزارية التاسعة، أجرينا محاولات حثيثة للبت في مشاكلنا مع بغداد، وفي الوقت ذاته عملنا على تحرير اقتصاد إقليم كوردستان من مخاطر الاعتماد على مصدر دخل واحد في تأمين الإيرادات. إن الجزء الأكبر من الأوضاع الصعبة التي تواجهنا هو نتيجة السياسة الخاطئة بالاعتماد على الإيرادات المتذبذبة للنفط.
بالنسبة لعلاقاتنا مع بغداد، فقد قطعنا خطوات جدية. وبعد تولينا مهامنا في شهر تموز من العام الماضي، كانت أولى زياراتنا إلى بغداد، وأبدينا خلالها استعدادنا لحسم الخلافات كافة استناداً إلى الدستور، وطرحنا العديد من المقترحات لإنهاء الملفات العالقة وخصوصاً بشأن النفط. غير أنه وللأسف تأزم وضع بغداد في تشرين الأول من العام الماضي، واستقالت الحكومة العراقية على وقع الاحتجاجات، ولم تعد تجد نفسها مسؤولة عن الحقوق والمستحقات الدستورية للإقليم والتي لم تُنفذ منذ عام 2005. والآن وبعد أن بدأت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي مهامها، جددنا استعدادنا لحل الخلافات كافة وبما يضمن الحقوق الدستورية لإقليم كوردستان ككيان اتحادي، وآخر مساعينا في هذا الإطار تمثل بإرسال ثلاثة وفود إلى بغداد، وسنواصل محادثاتنا حتى الوصول إلى حل عادل ودستوري.
أيها الكوردستانيون الأكارم:
إن الأزمة الراهنة لن تزيدنا إلا عزماً على المضي قدماً في استراتيجية تنويع مصادر الدخل، وفي الوقت نفسه مواصلة مسيرة الإصلاح وتصحيح أخطاء الماضي في المجالات الإدارية والاقتصادية، ويدرك مواطنونا الأحبة أن إصلاح الأخطاء وإرساء بنية اقتصادية مستقرة بحاجة إلى مزيد من الوقت وتعاون المواطنين جميعاً.
كما هو معلوم لديكم، فقد أشرفنا في الأيام الماضية على اجتماع لمجلس الوزراء وصدّقنا على خطة لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وأصدرنا كذلك العديد من القرارات المهمة بشأن تطبيق قانون الإصلاح الذي أكدنا على ضرورة تنفيذه منذ بداية تسنمنا مهامنا كجزء محوري من برنامج عمل تشكيلتنا الوزارية التاسعة. ونحن مصممون على مواصلة تطبيق الإصلاح ووضع حد لهدر الثروات العامة. وبلا شك فإن الإصلاح يلحق ضرراً بالفاسدين ويشكل خطراً على مصالحهم، ولذلك يسعون إلى إفشال مسيرة الإصلاح بوضع العراقيل أمامه. بيد أن الإصلاح مطلب لغالبية مواطني إقليم كوردستان، وسأبقى إلى جانب المواطنين، وسنستمر في الإصلاح بدعم المواطنين الأحبة ولن نتراجع عنه مطلقاً. وقطعاً، فإن الإصلاح لا بد أن يكون عاماً وشاملاً وأن يشملنا جميعاً ولا يُسمح لأي شخص أو جهة ما وتحت عنوان حماية المصالح الشخصية والحزبية وضع عوائق في طريق هذا المشروع.
كذلك أهيب وعلى وجه الخصوص، بممثلي إقليم كوردستان في مجلس النواب العراقي، وضع المصالح الشخصية والصراعات الحزبية جانباً والالتزام بوحدة الموقف من أجل إحقاق الحقوق الدستورية لإقليم كوردستان.
إن الوضع الاقتصادي العصيب للإقليم هو نتاج عوامل سياسية وتاريخية عدا اقتطاع جزء من حصة الإقليم من قبل الحكومة العراقية والأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن هذا الوضع العسير لا ينبغي أن يكون سبباً للصراع السياسي والشرخ وتجزئة مناطق الإقليم تحت مختلف المسميات.
في برنامج عمل الحكومة التاسعة في الإقليم أشرنا بوضوح إلى أن حكومة إقليم كوردستان تعمل على تثبيت اللامركزية الإدارية للمحافظات وبما يتلاءم مع النظام القانوني والإداري لإقليم كوردستان، على أن يتم توزيع الواجبات والمسؤوليات حسب القانون وتحت رقابة رئاسة الحكومة بهدف منع الفساد واستغلال السلطة وتشكيل سلطات خارج مؤسسات الإقليم. لذلك نحن مع اللامركزية الإدارية بشرط أن تكون في إطار حماية كيان الإقليم.
أيها المواطنون الأفاضل:
لقد بذلنا أقصى الجهود سعياً لتأمين قوت المواطنين ورواتب الموظفين، وخلال تسعة أشهر بدءاً من تسنمنا التشكيلة الوزارية التاسعة، تم توزيع رواتب ثمانية أشهر ولم يتأخر سوى راتب شهر واحد. لقد أصدرنا جملة من القرارات الرامية للتخفيف عن ذوي الدخل المحدود ممن تضرروا تحت وطأة الإجراءات الوقائية.
إلا إنه يتعين علينا، تحديداً، أن نتأقلم مع أي أوضاع شاقة قد نمر بها. لقد وضعنا خطة بحسب الإمكانات والموارد الاقتصادية للإقليم لتخطي هذه المرحلة لتشمل تنظيم ميزانيات مؤسسات الإقليم ومصروفاتها وكل من يتسلم دخلاً من الحكومة، وسنتخذ الخطوات اللازمة بهذا الشأن وفق قانون الإصلاح.
أيها المواطنون الكرام:
إن على حكومة إقليم كوردستان ديوناً بقيمة 27 مليار دولار، الجزء الأكبر سببه الحكومة الاتحادية نتيجة عدم إرسال ميزانية إقليم كوردستان من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، وللأسف لا تمتلك حكومة إقليم كوردستان أي احتياطي اقتصادي، وعلى هذا الأساس فإننا نعتمد على الموارد المالية التي تردنا شهرياً، وهذا يعني أننا سنواجه مشاكل في كل أزمة اقتصادية وهذه الحقيقة يدركها معظم المختصين وهي ليست خفية على أحد. ولكن من المحزن أن يتم تجاهل هذه الحقائق والقضايا السياسية والوطنية كلها، ويقتصر التركيز على الرواتب ليس إلا في الوقت الذي نعلم فيه جميعاً مصادرها.
أيها المواطنون الأحبة:
لكي نضعكم في الصورة، كان الوارد الشهري من بيع النفط في وقت ما، يبلغ 700 مليون دولار ويتم صرف أكثر من 400 مليون دولار على استخراج النفط ونقله وسداد الديون، ولم يكن يبقى لخزينة الحكومة سوى 300 مليون دولار. كذلك لم نكن نستلم من بغداد غير 383 مليون دولار كرواتب، إلا أن هذا المبلغ لم يكن يكفي مما يضطرنا لاستكماله مع جزء كبير من الإيرادات الداخلية عدا المصاريف اللازمة للخدمات، ومع ذلك كان هناك عجز مالي قدره 60 مليون دولار.
أما الآن فقد تهاوى سعر النفط على نحو كبير، فمثلاً وخلال الشهر الماضي بلغ مجموع الواردات من بيع النفط العائد لخزينة الحكومة 30 مليون دولار، بينما بلغ الوارد الداخلي 60 مليون دولار والقسم الآخر من الرواتب والذي كانت ترسله بغداد قد تأخر. ومما لا شك فيه فإن هذا الوضع الاقتصادي العصيب لم يواجه إقليم كوردستان فحسب، بل شمل العالم برمته لدرجة أن بعض الدول تعرضت لانهيار اقتصادي.
من المعلوم أن صرف إيرادات إقليم كوردستان غير منصف بالمرة وبلا تخطيط إذ أن 80 بالمئة من الإيرادات مخصص للرواتب، ومن يتقاضون الرواتب يمثلون نسبة 20 بالمئة من سكان الإقليم. وفي أحسن الأحوال المالية يتم تخصيص 15 بالمئة من ميزانية إقليم كوردستان لإدارة الخدمات، وفقط خمسة بالمئة لتنمية الإقليم.
لم يتم خلال هذا التوزيع غير العادل من ميزانية إقليم كوردستان، التخطيط للمستقبل وللأجيال القادمة، وبالتأكيد فإن هذا البلد لن يتقدم إذا اقتصر الأمر على صرف الرواتب، بل يحتاج إلى بنية تحتية. ليس من المنطقي أن يملك المواطن راتباً لكنه يفتقر إلى الكهرباء والماء ولا يجد مدارس ومستشفيات وشوارع جيدة، وبصورة عامة يعاني مشكلة في الخدمات الأساسية.
الحكم الرشيد لا يقتصر على توزيع الرواتب فحسب، لذلك ينبغي أن يقرر المواطنون والحكومة والأطراف السياسية كافة، بإننا حتى وإن كنّا في وضع مالي جيد، فإنه لا يجب علينا صرف مجمل مواردنا على الرواتب وحدها ويتحتم علينا تخصيص جزء من الميزانية للخدمات وإرساء بنية تحتية رصينة.
ليس هناك حكومة بوسعها أن توظف كل المواطنين في النظام الإداري وأن تؤمن الرواتب لهم، ولكن بتعزيز البنية التحتية وبالإنتاج والتطوير يمكن تأمين فرص عمل، بمعنى أنه يجب توجيه واردات البلد وثرواته في هذا المضمار، ولا بد أن نعمل سويةً من أجل الخروج من هذا النظام الاقتصادي السائد، وهذا قرار ليس سهلاً لكنه مصيري بالنسبة للإقليم ويخيّره ما بين التقدم والتخلف، والهدف من ذلك أن نخطو نحو مستقبل أكثر ازدهاراً، ومن غير الصحيح أن يتحول هذا الأمر إلى مادة للصراعات والمزايدات السياسية.
أيها المواطنون الأعزاء:
إن هذا الوضع الصعب سيستمر لفترة أطول كما يتوقعه المختصون، ومطلوب منّا جميعاً أن نتعاون من أجل تجاوزه وتخفيف المعاناة عن المواطنين، وهنا أطمئنكم بأن الحكومة ومنذ بداية الأزمة وضعت خططاً لتأمين الأمن الغذائي والدوائي، وبحسب تلك الخطط فإن مخازن الحكومة والقطاع الخاص تحتوي على ما يكفي من الغذاء والدواء وهو ما يغطي حاجة السوق في إقليم كوردستان حتى نهاية العام، كما أن التبادل التجاري مستمر. وإلى جانب الحصص الشهرية للغذاء، سيتم توزيع الأغذية على الأسر محدودة الدخل قريباً في إطار خطط حكومة الإقليم.
اتخذنا الإجراءات الوقائية في الإقليم بشكل مبكر، لأن الوقاية أفضل دواء، وفي الوقت الذي اشكر التزامكم بالإجراءات، إلا أنه ثمة ملاحظات في هذه الأيام بأن تقيدكم بالإجراءات قد تراخى وتراجع، ونحن نعي أوضاعكم وصعوبة ظروفكم لكن نؤكد لكم بأن مخاطر هذه الجائحة لا تزال قائمة في العالم أجمع، ويتعين الالتزام بإجراءات الوقاية كاستخدام الكمامات وغسل اليدين والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، وكل من لا يلتزم سيكون مسؤولاً عن نفسه وأقربائه وكل المواطنين.
إن تجربة حكومة الإقليم في تنفيذ الإجراءات الاحترازية والتعليمات الصحية، وبشهادة منظمة الصحة العالمية والعديد من الجهات المعنية، كانت ناجعة وفعّالة ولكن ما يؤسف له أن البعض يرغب بتشويه تلك المساعي بل ولتبديدها.
ورغم كل الأزمات والمشقّات التي واجهت حكومة الإقليم لكنها كانت نموذجاً يحتذى به في مواجهة كورونا وأثبتت نجاحاً باهراً، وهنا أطمئنكم أيها المواطنون الأعزاء، بأن الحكومة هي أكثر جهة تكترث لظروفكم وتشعر بصعوبة أوضاعكم، وآمل ألا تقعوا تحت تأثير الشعارات والدعايات الكاذبة وغير الواقعية. إننا نصغي لجميع انتقاداتكم وملاحظاتكم ومطالبكم الواقعية والمنطقية ونتفهمها ونأخذها بعين الاعتبار، لكن في الوقت نفسه يجب أن تدركوا جيداً الأوضاع الصعبة التي نعيشها.
أحيي صمودكم وتضحياتكم، وأنا على ثقة تامة بأننا - وبعون الله تعالى وبدعمكم - سنتخطى هذا الوضع العصيب، وستخطو كوردستان نحو آفاق مشرقة وعندها نخرج من هذه المعركة منتصرين سالمين غانمين.
وفي الختام، أجدد تهنئتكم متمنياً لكم عيداً سعيداً، وأحثكم في هذه المناسبة على الالتزام بالإجراءات الوقائية والتعليمات الصحية لأن الوقاية واجب وطني وديني وإنساني.
دمتم بصحة وسلامة..