ضمان الجودة
التعلیم المستمر
التطوير المستمر ضمانة مواكبة التدريسيين للعالم المتقدم ورقي الجامعات
البروفيسور دلاور عبد العزيز علاء الدين
وزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة إقليم كردستان
كان طلب العلم من المهد إلى اللحد منذ القدم وما يزال، من المهام المقدسة لكل صاحب مهنة، فنجاح الفرد وتقدم نظام البلد يكمن في رفع المستوى العلمي والتجديد المستمر للمستوى التقني في العمل.. كما أن الحصول على منتج ما أو خدمة معينة بجودة عالية، يعد حقاً مشروعاً للفرد مقابل الوقت والمال والجهد الذي يبذله.
ويتم الحصول على المنتج الجيد أو الخدمة العالية فقط عند هؤلاء المهنيين الذين يركزون على الجودة وتهتم مؤسساتهم بأهمية النوعية، لذا فإن التحديث والتطوير لا يقتصر على الطلبة حسب بل ينبغي أن يكون هدف الجميع إذا ما كانوا يريدون اللحاق بركب العلم والتقنية، ويحرصون على حجز مكان لهم في عالم اليوم والغد، والرقي لبلادهم.
وبالرغم من أن ضمان جودة المستوى العلمي للأساتذة في مؤسسات التعليم العالي هو حق مشروع للطلبة، إلا أنه في الوقت ذاته، واجب، وحق، ورغبة ذاتية للأساتذة الأكاديميين أيضاً في كليات إقليم كوردستان ومعاهده وهيئاته العلمية.
لقد أدى انقطاع العراق عن العالم الخارجي في الثلاثين سنة الماضية، إلى انقطاع أساتذة الجامعات عن مواكبة إيقاع التطور العلمي والتقني المطرد في العالم من جهة، مثلما أدى النمو السريع للمؤسسات التعليمية وازدياد عدد الطلبة إلى تزايد العبء على عاتق الأساتذة من جهة أخرى.
وفي الوقت ذاته، لم تتمتع المؤسسات الأكاديمية بأي آلية اقتصادية أو إدارية تتيح لها فرص استدامة التعليم.. وعندما أتيحت لها تلك الفرصة لم تتم الاستفادة منها بنحو حقيقي، فمثلاً عندما يقوم العلماء والمتخصصون بزيارة الجامعات والهيئات التدريسية لم يكن يتوقع من الأساتذة حتى الحضور في الندوات.
ولحسن الحظ، فإن بوابات العلم المعاصر ستفتح قريباً على مصراعيها للمؤسسات العلمية والأكاديمية في الإقليم، علماً أن فرصاً ذهبية أتيحت من قبل للانتفاع بزيارات العلماء والأكاديميين الذين يأتون من البلدان الأخرى، لكنها لم تستثمر بنحو جيد.. كما أن أساتذة الكليات والمعاهد التقنية في المدن الصغيرة يشعرون بعزلة علمية برغم توقهم الشديد للاتصال والمشاركة الأكاديمية والتحديث المستمر لمعلوماتهم العلمية.
فبُعد مؤسساتهم عن المراكز الكبيرة لا يشكل عائقا ملحوظا حسب، بل وأنه أسهم بنحو أو بآخر، في ضياع حقوقهم الاقتصادية والإدارية.. ما أدى إلى هدر حقوقهم في المنافسة لاسيما في مجال البعثات، المشاركة في المؤتمرات والأنشطة العلمية…إلخ.. من هنا يأملون أن تتاح لهم فرصة الحصول على تلك الحقوق (المشروعة) وتحقيق آمالهم وطموحاتهم.
ومن هنا تبدأ مسؤولية مؤسسات التعليم العالي في وضع وتطبيق آلية مناسبة لتشجيع ودعم إستمرارية الأساتذة الأكاديميين والموظفين الذين يعملون في تلك المؤسسات على التطوير الأكاديمي والطلب المستمر للعلم.. كما أن من واجب الأساتذة أن يسعوا ويبذلوا الوقت والجهد ليكونوا أهلاً للجهود والتكاليف التي تتحملها مؤسسات التعليم العالي من أجل حفظ حقوقهم.
ففي الشهر الماضي، تم طرح موضوع وضع آلية مناسبة للتطوير الأكاديمي المستمر على اللجنة العليا للتعليم، وبعد ذلك تم طرح الموضوع على مجلس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الكردستانية، في اجتماعه الأخير في (مايو/ أيار) وتمت بالفعل الموافقة على المشروع.
وفي الآتي تفاصيل المشروع الذي يمكن إغناؤه بعد تجربته وإختباره.
- التطوير الأكاديمي المستمر
Continuous Academic Development
بهدف وضع وتنفيذ عملية التطوير الأكاديمي المستمر في الجامعات والمعاهد الكردستانية، ستقوم اللجان العلمية لتلك المؤسسات بوضع برنامج كامل خلال شهر أيلول/ سبتمر المقبل ليتم تطبيقه في السنة الدراسية 2010-2011.. وسيتم العمل بهذا البرنامج على مستوى الأقسام العلمية وستشرف اللجنة العلمية العليا عليه وتتابعه.
وعلى جميع الأقسام العلمية للجامعات والهيئات أن تضع برنامجاً فصلياً للندوات العلمية.. ومع بداية الفصل ينبغي أن يتم نشر قائمة الندوات مع عنوانيها على مستوى الجامعة والهيئات وفي المواقع الإلكترونية. ولتشجيع تبادل الزيارات وتقديم الندوات المشتركة والتعارف بين أكاديميي المؤسسات المختلفة للإقليم، ينبغي نشر جدول الندوات بين الأقسام المتناظرة للجامعات والهيئات.
- تخصيص الوقت للتطوير الأكاديمي
وبموجب هذا البرنامج، يتوقع أن يقوم كل أستاذ مهما تكن درجته العلمية بتخصيص خمسين ساعة على أقل تقدير، لطلب العلم والمشاركة في الأنشطة العلمية المختلفة. وستكون هذه الساعات الخمسين المعيار المستخدم كوحدة حسابية، وقد تقتضي بعض الأنشطة ساعات من التحضير وساعات أخرى للتطبيق، إلا أنها تحتسب كوحدة حسابية واحدة أو ساعة واحدة.
إن جمع خمسين ساعة في التطوير الأكاديمي على مدى سنة كاملة لا يعتبر أمراً شاقاً، وإذا قمنا بعملية مقارنة بين الجامعات والمعاهد الكبرى التي تقع في المدن الكبيرة والجامعات التي تقع خارج تلك المدن، نرى أن فرص حضور الندوات أكبر في الأولى، لذا يُنتظر من أساتذتها أن يجمعوا أكثر من مئة ساعة لطلب العلم بينما يكون من الصعب على أساتذة الجامعات والمعاهد الصغيرة ملء تلك الساعات الخمسون دون مساعدة من إدارة الجامعات والمعاهد. لذا يُطلب من رؤساء جامعات وهيئات وكليات ومعاهد المدن الصغيرة أن يهيئوا فرصا للأساتذة، مثلما ينبغي على الأساتذة أن يسعوا بنشاط وأن يسافروا بحسب الحاجة لزيارة جامعات المدن الكبيرة طلباً العلم والمعرفة وتبادل الخبرات.
- المشاركة من خلال التواجد
إن لكل ندوة ومؤتمر وورشة عمل أكاديمية، قيمة كبيرة في التعليم والتعلم والمشاركة من خلال التواجد في برنامج التطوير الأكاديمي، ولا يعد ذلك بالأمر الصعب. وهكذا ينبغي على أساتذة الأقسام العلمية ذات العلاقة كافة الحضور في الندوات العلمية لأقسامهم وكلياتهم، ولكل مرة يحضر فيها الأساتذة يُحسب ذلك الحضور لهم بساعة في طلب العلم. ويتم في تلك الندوات تدوين أسماء الحضور في قائمة ومن ثم يتم تسليم القائمة الى اللجنة العلمية للكلية وبعد ذلك يتم تسليمها إلى اللجنة العلمية للجامعة لتوثيق ذلك الحضور.
ولكي تُحسب كل ندوة بساعة واحدة، ينبغي ألا تقل مدتها عن 45 دقيقة.. أما بالنسبة للمؤتمرات وورش العمل، ينبغي على اللجنة العلمية المنظمة أن تتفق على المعايير والساعات المحسوبة.. وعلى وجه العموم، يتم حساب كل يوم من المؤتمر برصيد ثلاث ساعات وليس أكثر.
المشاركة النشطة
- إن الأسلوب الأفضل والأكثر فاعلية في التطويرالأكاديمي هو المشاركة بنشاط، وذلك من خلال البحث والتحليل والتنقيب عن العلوم وتقديم نتائج تلك الأبحاث والتحاليل في الندوات العلمية التي تنظمها الأقسام والكليات، فيتم احتساب كل ندوة من هذا القبيل بساعتين للأستاذ القائم بالبحث.. وينبغي على كل أستاذ أن ينجز عشرين ساعة في السنة على أقل تقدير في عملية التطوير الأكاديمي وذلك من خلال المشاركة النشطة في الندوات.
١- تقديم الندوات
على جميع الأساتذة أن يقدموا وبشكل دوري الندوات الآتية:
أ- ينبغي على كل أستاذ أن يقوم مرة كل ستة أشهر على أقل تقدير بتقديم ندوة لزملائه من أساتذة قسمه وكليته عن البحث الذي يقوم به أو عن موضوع إختصاصه.
ب- ينبغي أن يختار مقالة علمية في مجال تخصصه من مجلة معروفة عالميا مرة كل ثلاثة أشهر على أقل تقدير، ويقدمها بأسلوب مبسط ومنطقي ويعرضها من خلال (الباور بوينت) لأساتذة قسمه، كما ينبغي أن تكون الندوة مفتوحة ويتم الإعلان عنها على مستوى الجامعة، ويتوقع أن يكون حضور أساتذة القسم إجباريا وحضور أساتذة الأقسام الأخرى إختياريا.
ت- ينبغي تقديم مقالة علمية للأساتذة في الكلية كل ستة أشهر على أقل تقدير بالأسلوب المذكور في النقطة (ب) نفسه لكن عن موضوع مختلف، وتكون الندوة مفتوحة ويتم الإعلان عنها على مستوى الجامعة ويتوقع حضور أساتذة الكلية المعنية.
ث- مما لاشك فيه إن الدور المهم للأكاديميين يكمن في الإشتراك في حلقات التفكير ووضع خطط إستراتيجية وتقديم مشورة علمية قيمة للمؤسسات المختلفة، ويمكن لهذه الأنشطة أن تحتسب بساعة واحدة لكل مشترك إذا تم تقديم دليل يثبت الأداء.
٢- المنشورات العلمية
أ- إن الكتابة ونشر المقالات العلمية في المجلات العلمية يؤدي إلى التجديد لذا تعتبر المنشورات في عملية التطوير الأكاديمي أمراً مهماً.. وإن نشر أي مقال في مجلة متخصصة يتضمن رأيا أو إستعراضا ومراجعة أدبية أو نشر مقالة متخصصة، يمكن أن يحتسب كساعة واحدة. وإذا ما تم نشر كتاب علمي متخصص في مجال مؤلفه وبعد عرضه على اللجنة العلمية لتقييمه ينبغي أن يُحتسب لكاتبه من (5- 15) ساعة، وينبغي ألا تتجاوز تلك الساعات سقف (15) ساعة لأنه لا يسمح بصرف الساعات كلها في نشاط أو موضوع واحد.
ب- إن تقييم المشاريع والمنشورات وأطروحات البحث العلمي يعتبر فرصة قيمة لعملية طلب العلم، فيحصل مقيّيم المشاريع والمنشورات العلمية لباحث آخر (قبل نشره) على ساعة واحدة. ويتم الحصول على ساعتين مقابل تقييم أطروحة الماجستير وأربع ساعات مقابل أطروحة الدكتوراه. - ميزانية التطوير الأكاديمي
ينبغي على جميع الأقسام أن تُخصص قدراً من المال لدعوة العلماء والباحثين سواء كانوا من جامعات الإقليم أم المغتربين الكورد أم الضيوف الأكاديميين لكي يأتوا ويقدموا نتائج أبحاثهم وآخر ما توصلوا إليه في إبداعاتهم كلٌ في مجال تخصصه. وينبغي أن يكونوا نشطين في مجال الأبحاث، ويتم تخصيص مبلغ من المال لتكاليف السفر داخل الإقليم وللجوائز، لكن لا يتم تخصيص أي مبلغ لتكاليف السفر خارج إقليم كوردستان. - ضمان الجودة وضمان الإلتزام
من أجل تنفيذ العملية وضمان نوعية الندوات والأنشطة المختلفة، ينبغي أن تقوم اللجنة العلمية العليا وبالتعاون مع لجنة ضمان الجودة في الجامعات والهيئات بمتابعة عملية التطوير الأكاديمي ووضع آلية مناسبة لسير العمل.
وفيما الآتي بعض النقاط التوضيحية لتصبح جزءاً لا يتجزءا من عملية التطوير الأكاديمي، لتشجيع سير العمل والمتابعة ولكي تقوم اللجنة العلمية بالإشراف عليها:
أ- تقوم اللجنة العلمية للكلية بجمع أدلة حضور الأساتذة في الأنشطة، وبعد ذلك تقوم برفع المعلومات إلى اللجنة العلمية العليا للجامعة لمنح شهادة سنوية للتطوير الأكاديمي لكل أستاذ. فاللجنة العلمية التابعة للجامعة مسؤولة عن ضمان الحضور وضمان الجودة وجمع أدلة الإنجاز لعملية التطوير الأكاديمي في الأقسام والكليات. وفي الوقت ذاته، يكون المدير العام للرقابة وضمان الجودة في الوزارة مسؤولا عن متابعة سير العمل في العملية.
ب- ولتحقيق ضمان الجودة ينبغي أن يتم توزيع إستمارة تقييم على الحاضرين في كل ندوة وتتضمن الإستمارة أسئلة موضوعية عن المستوى العلمي وطريقة التقديم والجهد الذي بذله الأستاذ في التحضير لهذه الندوة. ثم تقوم اللجنة العلمية للجامعة بحفظ تلك الإستمارات. وعلى شاكلة عملية ضمان الجودة التي يتم فيها تحليل مستوى دراسة الطلبة، يتم تسليم الأستاذ ما كتبه الآخرين في الإستمارات من دون ذكر الأسماء.
• الإلتزام والنتائج
إن الإلتزام بعملية التطوير الأكاديمي المستمر ينبغي أن يكون جزءاً لا يتجزءا من حياة الأستاذ الأكاديمي، وستؤخذ أنشطة الأساتذة وإنجازاتهم بعين الاعتبار. فعلى سبيل المثال، يتمكن الأستاذ الذي قد أنجز خمسين ساعة في عملية التطوير الأكاديمي من تقديم طلبه لترقية درجته العلمية أو تسلم مسؤولية إدارية أو الإشتراك في اللجان أو البعثات إلى خارج البلاد وتمثيل الجامعات. أما الذي ينجز أقل من خمسين ساعة في السنة، فلا يحق له ولمدة سنتين، تقديم طلباً للترقية والحصول على منصب أعلى مما هو عليه أو المشاركة في الأنشطة الأخرى.
• الخلاصة
إن كل أستاذ وبلا شك يعتبر سفيرا لجامعته، وإن مستواه العلمي هو مرآة للمستوى العلمي للجامعة.. لذلك فإن هدف كل جامعة هو أن يكون ممثلوها وسفرائها أو قادتها الأكاديميون وموظفيها ملفتين للانتباه في أدائهم وكسب ثقة وإحترام الآخرين لهم في خارج نطاقهم. لذا يجب أن يكون الأستاذ مثالا حيا في عملية التطوير الأكاديمي المستمر وعلى إدارة الجامعة وهيئاتها أن تهيئ البيئة المناسبة لتحقيق تلك العملية من خلال صياغة برنامج متين لها.